تسجيل صوتيّ وصورة انتشرا كالنار في الهشيم على هواتف اللبنانيين عبر تطبيق “واتساب” في الأيام الماضية. صورةٌ لما عُرّف عنه بأنه “المخلوق الشيطان”، ورسالة بصوت أحد اللبنانيين يحذرّ فيها الجميع من مغبة فتح أبواب المنازل لطارقي الباب كون هذا المخلوق شوهد في سهلة الشويفات، وهو قيد الملاحقة من قبل الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، سيّما وأنه “أكل 4 اشخاص”.

[soundcloud url=”https://api.soundcloud.com/tracks/381815519″ params=”color=#ff5500&auto_play=false&hide_related=false&show_comments=true&show_user=true&show_reposts=false&show_teaser=true” width=”100%” height=”166″ iframe=”true” /]

إنه المضحك المبكي! نأمل ونفترض أنّ أحداً من اللبنانين لم يصدّق هذا المنشور ولم يقلق أو يرتعب. “القصّة” خيالية ومن الصعب تصديقها، ومع هذا فقد عمد بعض الوسائل الإعلاميّة، وتحديداً عدد من المواقع الالكترونية، إلى تكذيبها في محاولة لطمأنة الناس، وتحديداً “أهالي وسكان منطقة الشويفات ومحيطها”، الذين، بحسب مضمون الخبر، أصيبوا بالقلق.

وقد جاء في هذا الخبر أيضاً أنّ “الصورة تمثّل الـ “الرجل الماعز goatman”، وهي خرافة تظهر مخلوق يعتقد أنه يعيش تحت الركائز في نورفولك الجنوبية للسكك الحديدية في لويزفيل بولاية كنتاكي. و”الوحش” هجين بين الإنسان والماعز مع جسم غريب مشوه للرجل ويعرف عربيا بـ”بابا لعق الوحش”.

[soundcloud url=”https://api.soundcloud.com/tracks/381816077″ params=”color=#ff5500&auto_play=false&hide_related=false&show_comments=true&show_user=true&show_reposts=false&show_teaser=true” width=”100%” height=”166″ iframe=”true” /]

“التوضيح” يحمل الكثير من “الحقائق”، وتحديداً لناحية أنّ هذا الكائن الخرافي هو نصف إنسان ونصف ماعز. بحسب الأسطورة الشعبية المتناقلة في ولاية ماريلاند (ولاية تقع في منطقة الأطلسي الأوسط من الولايات المتحدة)، فإن هذا الوحش تكوّن نتيجة اختبار كان يجريه أحد العلماء في مركز البحوث الزراعية بلتسفيل، فتحوّل من إنسان إلى مخلوق نصفه ماعز، ومن ثمّ بدأ بمهاجمة السكان بفأس.

وتتعدد روايات تكوينه وتختلف، لكنّ الأكيد، بحسب المتخصص في الفولكلور في جامعة ماريلاند باري بيرسون، أنّ أسطورة goatman تعود إلى زمن بعيد جداً، لكنها ظهرت إلى الواجهة من جديد في العام 1971 عندما ربط سكان المنطقة موت أحد الكلاب بهذا الوحش. وما زالت هذه الأسطورة تتناقل من جيل إلى جيل، حتى أنّ بعض سكان تلك البقعة ادعى أكثر من مرة رؤية هذا المخلوق!

على أي حال، هذا ليس موضوعنا. ليس من “شياطين” سارحة لا في سهلة الشويفات ولا في غيرها. لكن في المقابل، ثمة “وحوش” تظهر بين الحين والآخر لتزرع الرعب في نفوس اللبنانيين أو لتثير الفتن أو الغضب، مستغلّة عصر “السوشيل ميديا” والتطبيقات الهاتفية القادرة على نشر أي رسالة، في دقائق معدودة، على أوسع نطاقات.

هذه ليست المرّة الأولى التي تنتشر فيها مثل هذه الرسائل أو الصور. وإذا كانت قصة “المخلوق الشيطان” عصيّة على التصديق وعاجزة عن إثارة البلبلة، فإنّ ثمة فبركات وروايات مختلقة أخرى قادرة على ذلك.

جميعنا يذكر ربما الرسائل التي كانت تحذر من هجومات إرهابية حتمية في مناطق محددة، والتي كانت تنتشر في أوقات زمنية دقيقة أمنياً ما يساهم فعلياً في نشر أجواء الرعب. ولعلنا نذكر أيضاً قصة الأسد السارح في صيدا، أو رواية “داعش” التي ستقتحم المنازل في عيد البربارة!

ولعلّ أخطر ما في هذه “الرسائل” هو زجّ اسم المؤسسات الأمنية أو الرسمية أو جهات تعمل في الخدمة العامة (الصليب الأحمر وغيره). ما من داع للتذكير حتماً بأنّ هذا الأمر يعاقب عليه القانون اللبناني، تماماً كما تعاقب النصوص القانونية كلّ شخص يقوم بنشر الأخبار الكاذبة وفبركة الروايات والمساهمة في تسويق الإشاعات.

وإذا كانت القوانين الرادع الأول، فإن الأخلاقياتّ الاجتماعية باتت ايضاً ضرورة سيّما في عصر مواقع التواصل الاجتماعيّ، وزمن تحوّل فيه المواطن “صحافياً” او ناقلاً للخبر. ومثلما على الإعلاميين التحلي بأخلاقيات المهنة والالتزام بمسؤولية حماية المجتمع، بات على المواطنين اليوم أن يكونوا أيضاً واعين فيحسنون استخدام ما يقدمّه التقدّم التكنولوجي من منابر ومساحات تعبير.

فهل من يتعظ ويترك هذه “الشيطنات” السخيفة والخطيرة في آن؟!

ربيكا سليمان

التعليقات مغلقة.